هل تلاحظون ذلك .. هذه عادة وسلوك متأصل فينا .. براعة في الاستهلاك.. أعطني أي مبلغ وأنا أنفقه بأسرع ما يمكن.. القليلون منا هم الذين يقولون أعطني أي مبلغ وأنا أنميه لك في الإنتاج بسرعة .. ينشأ الطفل منا على أن يأخذ الفلوس من الكبار بسهولة وينفقها ويطلب غيرها .. وهكذا وإذا امتنع الآباء والأمهات عن إعطائه ما يريد .. يبكي .. ويمتنع عن الأكل .. ويحبس نفسه في الحجرة .. وأحياناً يمتنع عن المذاكرة حتى يستسلم الكبار فيعطونه النقود .. فينفقها .. ثم يتكرر الموقف مرات ومرات حتى يكتسب عادة الإنفاق فقط ولا يكتسب القدرة على الإنتاج .. كما أنه يكتسب عادة أن النقود تأتي من جيب بابا وماما ولا تأتي بالعمل والجهد .. إنها واحدة من أسوأ السلبيات في حياتنا .. كيف نعالجها .. الأمر يحتاج أن نبدأ من الصغر .. ولكن كيف؟
تعالوا أولا نتعرف على ما يفعله الآخرون (في الغرب مثلاً) في هذا المجال .. فيما بعد المرحلة الابتدائية يبدأ الطالب في العمل في إجازته الصيفية في أعمال خاصة تنتظر الطلبة مثل جمع الثمار وتعبئة الشاحنات.. وملء الكراتين والصناديق بالبضائع وتجهيزها للشحن.. والعمل بدل من قاموا بإجازات في الصيف وفي محطات البنزين وتنظيم المرور وغيرها ..... يعمل الطالب طوال الصيف وردية وأكثر في اليوم ويدخر المال لينفق منه خلال السنة الدراسية وهذا هو مصروفه .. لا يأخذ من الأب .. لا يأخذ من الأم .. هم لن يعطوه وهو لن يقبل أن يأخذ منهم على أساس أنه مسئول وقادر على جمع مصروفه بنفسه .. وبذلك يتعلم الطفل من الصغر أن النقود تأتي بالعمل والجهد وليس من جيب الآخرين مهما كانوا .. بذلك يرتبط الدخل في نظره بالعمل ويرتبط بالإنتاج .. وأهم من ذلك أنه سيكون حريصاً جداً في إنفاق المال لأنه هو الذي جمعه بيده .. أعرف أسرة أمريكية لها ابن وحيد في أولى ثانوي وهي أسرة غنية خرجت في رحلة صيفية خارج أمريكا ولم تأخذ ابنها معها ولما سألوها عن ذلك قالوا " أنه لم يتمكن من ادخار ثمن التذكرة " ولذلك تركوه في البيت وسافروا.. وهو نفسه لم يقبل أن يسافر بأموالهم .. أنها أصبحت ثقافة وعادة عند الجميع.. ومن النكت المشهورة عندهم في هذا المجال نكتة الولد "الخايب" الذي انفق فلوسه كلها ولم يعد عنده ما ينفق منه باقي العام الدراسي فحرم من الفُسح ومن الخروج ومن أي متعة فأرسل لوالده رسالة على المحمول .. رسالة قصيرة " يستعطفه فيها ليرسل له نقوداً فقال في الرسالة :
" No Mon- No Fun – Your Son "
أي أنه محروم من المتعة لعدم وجود نقود .. فرد عليه الوالد ليس بإرسال نقود وإنما برسالة مشابهة يقول فيها :
" So bad – So sad – your Dad "
أي أنه حزين فقط لما فيه الابن .
والأمثلة كثيرة جداً في هذا المجال .. ولكن هل نستطيع أن نطبق ذلك عندنا؟ طبعاً ممكن .. تعالوا نبدأ من الصغار .. تعالوا نمتنع عن إعطاء أي نقود للطفل بدون عمل معين يقوم به .. تعالوا نعلمه أن الدخل يعني العمل وأن النقود تأتي من مصدر واحد هو الجهد والعمل.. تعالوا نضع جدول للطفل .. وكل بيت حسب إمكانياته .. في الجدول مثلاً يعرف الطفل أنه إذا رتب سريره وحجرته يومياً سيكون مصروفه الشهري (كذا ) .. وإذا شارك في أعمال المنزل سيرتفع مصروفه إلى (كذا) .. وإذا ساهم في شراء طلبات البيت من الخارج يرتفع مصروفه إلى (كذا).. وإذا كان من الخمسة الأوائل في الفصل يرتفع المصروف إلى (كذا).. وإذا كان الأول ارتفع مصروفه إلى ( كذا ) .. وإذا حفظ كذا من القرآن شهرياً يزيد المصروف إلى ( كذا ).. وهكذا .. وهكذا ثم مكافآت على أعمال الخير التي يقوم بها تلقائياً إلى أخر هذه السلسلة من الأفكار وهي لا أخر لها .. المهم أن يتعلم الطفل أنه يحصل على المصروف في مقابل عمل .. وأنه لا دخل بدون عمل وبدون إنتاج وبذلك سيتدرب على ذلك وسيتعلم جيداً كيف يحافظ على النقود ويكتسب عادة الإنتاج أكثر من عادة
الاستهلاك فقط .. أرجوكم لا تقولوا أن هذا سيجعل الطفل مادي في أفكاره .. هذا غير صحيح بالمرة لأننا نتحدث عن قيمة واحدة وهي ربط الدخل بالإنتاج والعمل.. ولا شىء غير ذلك أما باقي القيم الدينية والاجتماعية والسلوكية والتعليمية فهي في مسارها العادي .. حتى العيديات والهدايا وهدايا أعياد الميلاد أربطوها في أذهانهم بأدائهم المتميز خلال العام .. لا تشعروا الطفل بأنه يمكن أن يأخذ قرشاً واحداًُ دون أداء .. ما رأيكم في الخطة .. تعالوا نجربها خصوصاً مع الأسر الحديثة والآباء الشبان والأمهات الشابات فالفرص عندهم أكبر لتحقيق نتائج أحسن..
منقول من كتاب من غير عنوان
لل ا/عبد الحليم سعيد